وُجِدت الحَياة حتى نـُمضي فيها عُمرنا الموهوب مِن الرَّحمن.. نعيشَ فيها أيامنا التي كـُتبت لنا من قـِبَل الخالق الذي حدَّد لنا الأهداف وسَطّرها مُقابل بقائنا فيها.. إذن فالحياة لمْ توجد عبثًا، ولم توجد أيضًا لكي تبقى خالدةً لا تفنى.. بل وُجدت لأسبابَ وأهدافَ وضَعها الخالقُ سُبحانه، وعَلى الإنسانِ أن يعرف سبب وجوده، وهدفه، وكيفية عَيشه في الدنيا، وكيفية تعاطيه مع الواقع، وأن يحاول استجماع زاده في التعاطي والتعامل والتعايش فيها..
العشوائية غير مقبولة -حسب نظري- للعيش في هذه الحياة، فكل تصرفاتٍ وتعاملاتٍ ونظراتٍ عشوائيةٍ، وحتى التعَاطي والأخذ والعطاء العشوائي، غير مقبولين بالحياة. بل المطلوب التَّبصُّر والملاحظة والتَّيقن وتمحيص أسباب العيش وسُبلها وكيفياتها، وتحديد الأهداف والطرق التي يجب السَّير عليها.. وقبل ذلك كله فقه الذات، والتعامل مع الآخر والخارج، وفق الداخل ومكوناته، وقدراته، واستطاعته.
في ظل كل ذلك.. يتوه الإنسان تارةً.. يتشرد أخرى.. تتبدد سُبله تاراتٍ.. وتتوضحُ أخرى.. قد يعيش الثبات، أو يعيش التناقضات.. وكذلك تستمرُّ الحياة.. وبين هذا وذاك تنبعث آلاف التساؤلات في خُلد المرء.. تقفزُ بعضها فجأةً دون سبب.. وتنطُّ أخرى لأسبابَ معاشةً تستحق الاستفسار.. ويتساءل المرء أحاييـنَ كثيرةِ عن حياتِه بالدنيا وعمَّا يلاقيه فيها.
تـُرى فــيم تتمثل روعــَة الحــَياة؟
-أذلك النَّجاح الذي نذوقه، وترتفع فيه معنوياتنا النفسية، فنرتاح ونسعد ونرتقي بالدنيا؟.
لكنه لن يبقى! وسيُنسَى يومًا في غمرة الانشغالاتِ الجديدةِ المُعاشةِ؟
-أحـبٌ يُعاش وعلاقاتُ صداقةٍ ورفقةٌ وأخذٌ وعطاءٌ طيبٌ مع بني البشر يملأ روح المرء، ويغمرها نشوةً لترتقي لعوالم تنحصر في القلب والروح والنفس وتتناغم والطبيعة؟.
سينجلي كل شيء! وستأخذ المرء مَغَاراتُ الحياة وكهُوفها لاهتماماتٍ تسحبُ من وقتهِ، وعقلهِ وتفكيرهِ وعمرهِ الكثير..
-أسعادةٌ تـُطبع على مُحيا الوالدين الراضيين عنه؟ والمرء يحاول قدر الإمكان بـِرَّهما وطاعتهما قدر المستطاع؟.
ستأخذه الأيام لحياةٍ جديدةٍ! قد يتوفى والداه.. وقد تتوفى روحه -معنويًا- وتختفي مثل تلك السعادات..
-أم استقرارٌ في وظيفةٍ، ورُقيٌ في منصبٍ، واستعداداتٌ ونجاحاتٌ مُتناهية النظير؟.
ستزول كلها بعد الهَرم والكِبر! أو بعد تداول الأيام.. وبعد مسيرة الحياة والزمـن؟..
-أفسحةٌ يُعانق المرء بها الطبيعة، أو أرضًا جديدةً يطؤها، فتنشرح النفس وترضى وتسعد؟
سيفنى كل ذلك! ولن تبقى بالصـَّدر تلك النشوة والفرحة أبد الدَّهـر..
---
الذين نُحبًّهم ونرى روعة الحياة بقربهم، سيرحلون.. وسترحل الرَّوعة معهم..
داخلنا روعاتٌ غير مرتبطة بهم، ستفنى هي الأخرى..
وما نبنيه ونخلقه حولنا من مادياتٍ ومعنوياتٍ سيفنى أيضًا ولن يبقى!
---
كل ما يعيشه المرء لا يدومُ.. وفي كل يومٍ وكل لحظةٍ نعيشُ عوالمَ متجددةٍ، وأحاسيسَ مغايرةَ، ومشاعرَ مُتبدلةٍ، ولحظات مُغايرة للماضي.. لا شيءَ مُستقـِرٌ بـَاقٍ في دُنـيا البـشر..
أكيدٌ أنَّ النهاية هي المَنزلُ الحقُّ، الذي نسأل أن يكون جنةً بإذن الله.
إنَّما أليس بالحياة روحٌ جميلةٌ لا تتبدل، وسَعادةٌ تستحق التوقف عندها كــَثيرًا، وروعةٌ تبقى وتدوم إن أمسكنا لُبَّها وكُنهها.. ومنطقةٌ ثابتةٌ معروفةٌ بإيجابيتها لا تتغير؟
أكـلُّ شيء مـَاضٍ في سرعةٍ، لا يثبت على حالٍ بدنيا البشر؟
تساؤلي :
-ما الروعـَة بالحياة؟ وما المميز فيها؟ إن كان كل شيءٍ يمضي ولا يبقى، وإن كان كلُ ما يُعاشُ يفنى ولا يعود؟